فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا}.
وقوله: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ} أي لا تقعدوا على كل طريق، لأن من يقعد على الطريق قد يمنع من يحاول الذهاب ناحية الرسول. والشيطان قد قال: {... لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} [الأعراف: 16].
فحين تقعدون على كل صراط يصير كل منكم شيطانًا والعياذ بالله؛ لأن الشيطان قال لربنا: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم}، وهنا ينهى الحق عن القعود بكل صراط؛ لأن الصراط سبيل، وحين يجمع الحق السبل لينهي عنها، إنما ليذكرنا أن له صراطًا مستقيمًا واحدًا، وسبيلًا واحدًا يجب علينا أن نتبعه. ولذلك يقول: {فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ...} [الأنعام: 153].
إذن فللشيطان سبل متعددة وسبيل الاستقامة واحد، لأن للطرق المتعددة غوايات منوعة، فهذا طريق يغوي بالمال، وذلك يغوي بالمرأة، وذاك يغوي بالجاه. إذن فالغوايات متعددة.
أو أن الهداية التي يدعو إليها كل رسول شائعة في كل ما حوله؛ فمن يأتي ناحية أي هداية يجد من يصده. ومن يطلب هداية الرسول يلقى التهديد والوعيد، والمنع عن سبيل الحق. ولماذا يفعلون ذلك؟ تأتي إجابة الحق: {وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا}.
إنهم يبغون ويودون شريعة الله معوجة ومائلة عن الاستقامة، أو تصفونها بأنها غير مستقيمة لتصدوا الناس عن الدخول فيها، ولتنفروا منها، مثال ذلك السخرية من تحريم الخمر والادعاء بأنها تعطي النفس السرور والانسجام. إن الواحد من هؤلاء إنما ينفر من شريعة الله، ويدعي أنها شريعة معوجة، فنجد من يحلل الربا؛ لأن تحريم الربا في رأيهم السقيم المنحرف يضيق على الناس فرصهم. إنهم يبغون شريعة الله معوجة ليستفيدوا هم من اعوجاجها، وينفروا الناس منها. {... واذكروا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين}. [الأعراف: 86].
نعلم أن كل ردع، وكل توجيه يهدف إلى أمرين اثنين: ترغيب وترهيب، وعلى سبيل المثال نجد المدرس يقول للتلاميذ: من يجتهد فسنعطيه جائزة، وهذا ترغيب، ويضيف الأستاذ للتلاميذ: ومن يقصر في دروسه فسنفصله من المدرسة؛ وهذا ترهيب. وما دام الناس صالحين لعمل الخير ولعمل الشر بحكم الاختيار المخلوق فيهم لله فلابد من مواجهتهم بالأمرين بالترغيب في الخير والترهيب من الشر.
والحق هنا يقول في الترغيب: {واذكروا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ}.
وكأنه يطالبهم بأن يكونوا أصحاب ذوق وأدب، فنحن نعلم أن مدين تزوج وأنجب عددًا من الذرية وكانوا قلة في العدد فكثرهم حتى صاروا قبيلة، وكانوا ضعافًا فقواهم، وكانوا فقراء فأغناهم، فمن صنع فيكم ولكم كل هذه المسائل ألا يصح أن تطيعوا أوامره. كان عليكم أن تطيعوا أوامره. وهذا ترغيب وتحنين.
ونعلم أن شعيبًا هو خامس نبي جاء بعد نوح، وهود، وصالح، ولوط. لذلك يذكرهم الحق بما حدث لمن كذبوا الأنبياء الأربعة السابقين. وقد يكون قوم نوح معذورين لأنهم كانوا البداية، فلم يسبقهم من أخذ بالعذاب لتكذيب رسلهم، ثم صارت من بعد ذلك قاعدة هي أن من يكذب الرسل يلقى العذاب، مصداقا لقوله الحق: {فَكُلًا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ...} [العنكبوت: 40].
فإذا كان شعيب ينذرهم بأن ينظروا كيف كان عاقبة المفسدين ممن سبقوهم فهذا تذكير بمن أغرقهم ومن أخذتهم الصيحة، ومن كفأ وقلب ودمر ديارهم، ومن جاء لهم بمطر من سجيل، فإن لم يعرفوا واجبهم نحو الله الذي أنعم عليهم بأن كانوا قليلًا فكثرهم، فعليهم أن يخافوا عاقبة المفسدين. إذن فقد جمع لهم بين الترغيب والترهيب. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.
يجوز أن تكون الباء على حالها من الإلصاق أو المصاحبة، أو تكون بمعنى في يقال: قَعَدَ لَهُ كذا، وعلى مكان كذا، وفي مكان كذا، فتتعاقب هذه الحروف في هذا الموضع لتقارب معانيها، فقعد بمكان: الباء للغلصاق، وقد التصق بذلك المكان، وعلى للاستعلاء، وقد علا ذلك المكان، وفي للحلول، وقد حلّ ذلك المكان.
و{تُوعَدُونَ}، و{تَصُدُّون}، و{تَبْغُونَ} هذه الجمل أحوال أي: لا تَقْعُدُوا مُوْعدين وصادِّين وباغين.
ولم يذكر الزعد له لِتَذْهَبَ النَّفسُ كلَّ مذهبٍ: ومفعول {تصدُّون} {مَنْ آمَن}.
قال أبُو البقاء: {مَنْ آمَنَ} مفعول {تَصُدُّونَ} لا مفعول {تُوعدُونَ}، إذْ لو كان مفعولًا للأوَّل لقال: تَصُدُّونَهُم، يعني أنَّه لو كان كذلك لكانت المسألة من التَّنازع، وإذا كانت من التنازع وأعْمَلْتَ الأولَ لأضْمَرْتَ في الثاني فكنت تقول: تَصُدُّونهم لكنه ليس القرآن كذا، فدل على أن {تُوعَدُونَ} ليس عاملًا فيه، وكلامُه يحتمل أنْ تكون المسألة من التَّنازع- يكون ذلك على إعمال الثاني، وهو مختار البصريين وحذف من الأوَّل- وألاَّ تكون وهو الظَّاهِر.
وظاهرُ كلام الزمخشري: أنَّهَا من التَّنَازُع، وأنَّهُ من أعمال الأوَّل، فإنَّهُ قال: فإن قلت: إلاَمَ يَرْجِعُ الضَّميرُ في {من آمَنَ بِهِ}؟
قلتُ: إلى كلِّ صراطٍ، تقديره: تُوْعِدون من آمن به وتَصُدُّون عنه، فوضعَ الظَّاهِر الذي هو {سبيل الله} موضع المضمر زيادة في تقبيح أمرهم.
قال أبو حيَّان: وهذا تعسُّف وتكلُّفٌ مع عدم الاحتياج إلى تقديم وتأخير، ووضع ظاهر موضع مضمر، إذ الأصل خلاف ذلك كُلَّهِ، ولا ضرورة تَدْعُوا إليه، وأيضًا فإنَّهُ من أعمال الأوَّل وهو مذهب مَرْجُوحٌ، ولو كان من إعمال الأوَّلِ لأضمر في الثاني وُجُوبًا، ولا يجوز حذفهُ إلا في ضرورة شعرٍ عند بعضهم كقوله: [مجزوء الكامل]
بِعُكَاظَ يُعْشِي النَّاظِري ** نَ إذَا هُمُ لَمَحُوا شُعَاعَهْ

فأعمل يُغشي ورفع به شُعَاعه وحذفَ الضمير من لَمَحُوا تقديره: لمحوه، وأجازه بعضهم بقلةٍ في غير الشِّعْرِ.
والضَّمير في {به}: إمَّا لكل صراط كما تقدَّم عن الزمخشريِّ، وإمَّا على الله للعلم به، وإمَّا على سبيل الله، وجاز ذلك؛ لأنَّهُ يذكَّر ويُؤنَّثُ، وعلى هذا فقد جمع بين الاستعمالين هنا حيث قال: {به} فذكَّر، وقال: {وتَبْغُونها عِوَجًا} فأنَّث، ومثله: {قُلْ هذه سبيلي} [يوسف: 108] [وقد تقدَّم] نحو قوله: {تَبْغُونَهَا عِوَجًا} [آل عمران: 99] في آل عمران.
ومعنى الآية أنَّهُم كانوا يجلسون على الطَّريق فيقولون لمن يريدُ الإيمانَ بشُعَيْبٍ: إنَّ شُعَيْبًا كذاب فلا يفتننَّك عن دينك، ويتوعدون المؤمنين بالقَتْل، ويخوفونهم.
قال الزمخشريُّ: قوله: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ} أي: ولا تقتدوا بالشَّيْطان في قوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} [الأعراف: 16] قال: والمرادُ من قوله: {صِرَاطٍ} كلُّ ما كان من مناهج الدِّين ويدلُّ عليه قوله: {وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله}.
قوله: {وَاذْكُرُوا} إمَّا أن يكون مفعوله محذوفًا، فيكون هذا الظَّرف معمولًا لذلك المفعول أي: اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عليكم في ذلك الوقت، وإمَّا أن يجعل نفس الظرف مفعولًا به.
قاله الزمخشريُّ.
وقال ابن عطية: إنّ الهاء في {به} يجوز أن تعود على شعيب عند مَنْ يرى أنَّ القُعُودَ على الطرق للردِّ عن شعيب، وهو بعيد؛ لأن القائل: {ولا تقعدوا} هو شعيب، وحينئذ كان التركيب مَنْ آمَنَ بِي، والادِّعَاءُ بأنَّهُ من باب الالتفات بعيد جدًّا؛ إذ لا يَحْسُن أن يُقال: يا هذا أنا أقول لك لا تُهِنْ مَنْ أكرَمَه أي: مَنْ أكرمني.
قوله: {إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ}.
قال الزَّجَّاج: هذا الكلام يحتمل ثلاث أوجه: كثر عددكم بعد القلّة، وكثركم بالغنى بعد الفقر، وكثركم بالقوة بعد الضعف قال السدي: كانوا عشارين.
قوله: {وانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين}.
{كيف} وما في حيِّزها معلِّقة للنظر عن العمل، فهي وما بعدها في محل نصب على إسقاط الخافض.
والنظرُ هنا التفكُّرُ، و{كيف} خبر كان، واجب التقديم.
والمعنى: انظر كيف كان عاقبة المفسدين أي: جزاء قوم لوط من الخزي والنكار وعذاب الاستئصال. اهـ.

.تفسير الآية رقم (87):

قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما حذرهم وخامة الفساد الذي نهاهم عنه، وعلق انتهاءهم عنه بوصف الإيمان، رجع إلى قسم ما شرط به الانتهاء عن الإفساد فقال: {وإن كان طائفة منكم} أي جماعة فيهم كثرة بحيث يتحلقون بمن يريدون {آمنوا بالذي أرسلت به} وبناه للمفعول إشارة إلى أن الفاعل معروف بما تقدم من السياق، وأنه صار بحيث لا يتطرق إليه شك لما نصب من الدلالات {وطائفة} أي منكم {لم يؤمنوا} أي بالذي أرسلني به من أيدني بما عملتم من البينات، وحذرهم سطوته بقوله: {فاصبروا} أي أيها الفريقان {حتى يحكم الله} أي الذي له جميع العظمة {بيننا} أي بين فريقنا بإعزاز المصلح وإهلاك المفسد كما أجرى بذلك عادته {وهو} أي الحال أنه {خير الحاكمين} لأنه يفصل النزاع على أتم وجه وأحكمه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال: {وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مّنكُمْ ءامَنُواْ بالذى أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فاصبروا}.
والمقصود منه تسلية قلوب المؤمنين وزجر من لم يؤمن، لأن قوله: {فاصبروا} تهديد، وكذلك قوله: {حتى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا} والمراد إعلاء درجات المؤمنين، وإظهار هوان الكافرين، وهذه الحالة قد تظهر في الدنيا فإن لم تظهر في الدنيا فلابد من ظهورها في الآخرة.
ثم قال: {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} يعني أنه حاكم منزه عن الجور والميل والحيف، فلابد وأن يخص المؤمن التقي بالدرجات العالية، والكافر الشقي بأنواع العقوبات، ونظيره قوله: {أَمْ نَجْعَلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين في الأرض} [ص: 28]. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مّنكُمْ ءامَنُواْ بالذى أُرْسِلْتُ بِهِ} يعني إن كان جماعة منكم صدقوا بي {وَطَائِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ} بي أي لم يصدقوا {فاصبروا حتى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا} يعني: حتى تنظروا عاقبة المؤمنين أفضل أم عاقبة الكافرين.
فذلك قوله: {حتى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا} يعني: حتى يقضي الله بين المؤمنين وبين الكافرين {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} أي أعدل العادلين. اهـ.